الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين المصطفى
أما بعد:
السحرُ والكهانةُ والعِرافة
كل هذه الأمور أعمال شيطانية مُحرَّمة تخل بالعقيدة أو تناقضها ؛ لأنها لا تحصل إلا بأمور شركية .
1 - فالسحرُ عبارةٌ عما خفي ولَطُفَ سببُهُ
سُمِّي سِحْرا ؛ لأنه يحصل بأمور خفية ، لا تدرك بالأبصار ، وهو عزائم ورقى ، وكلام يتكلم به ، وأدوية وتدخينات ، وله حقيقة . ومنه ما يؤثر في القلوب والأبدان فيُمرض ويقتُل ويفرق بين المرء وزوجه ، وتأثيره بإذن الله الكوني القَدَريّ ، وهو عمل شيطاني ، وكثير منه لا يتوصل إليه إلا بالشرك والتقرب إلى الأرواح الخبيثة بما تحب ، والتوصل إلى استخدامها بالإشراك بها ؛ ولهذا قرنهُ الشارع بالشرك ، حيث يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( اجتنبوا السبعَ الموبقات ، قالوا : وما هي ؟ قال : الإشراكُ بالله ، والسحر ... ) (1) الحديث . فهو داخل في الشرك من ناحيتين :
الناحية الأولى : ما فيه من استخدام الشياطين ، والتعلق بهم والتقرب إليهم بما يحبونه ؛ ليقوموا بخدمة الساحر ، فالسِّحرُ من تعليم الشياطين ، قال تعالى : ( وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ )( البقرة :102 )
الثانية : ما فيه من دعوى علم الغيب ، ودعوى مشاركة الله في ذلك ، وهذا كفر وضلال ، قال تعالى : ( وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ) (البقرة:102) أي : نصيبٌ .
وإذا كان كذلك فلا شكَّ أنه كفر وشرك يناقض العقيدة ، ويجبُ قتل متعاطيه ، كما قتله جماعة من أكابر الصحابة - رضي الله عنهم - وقد تساهل الناس في شأن الساحر والسِّحر ، ورُبما عدوا ذلك فنًّا من الفنون التي يفتخرون بها ، ويمنحون أصحابها الجوائز والتشجيع ، ويُقيمون النوادي والحفلات والمسابقات للسحرة ، ويحضرها آلاف المتفرجين والمشجعين ، أو يسمونه بالسرك ، وهذا من الجهل بالدين والتهاون بشأن العقيدة ، وتمكين للعابثين بها .
2- الكهانة والعرافة
وهما ادعاء علم الغيب ، ومعرفة الأمور الغائبة ، كالأخبار بما سيقع في الأرض ، وما سيحصل ، وأين مكان الشيء المفقود ؛ وذلك عن طريق استخدام الشياطين الذين يسترقون السمع من السماء ، كما قال تعالى : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ) (الشعراء:221-223)
وذلك أن الشيطان يسترق الكلمة من كلام الملائكة ، فيلقيها في أذن الكاهن ، ويكذب الكاهن مع هذه الكلمة مائة كذبة ، فيصدقه الناس بسبب تلك الكلمة التي سُمعت من السماء ، والله عز وجل هو المنفرد بعلم الغيب ، فمن ادعى مشاركته في شيء من ذلك ، بكهانة أو غيرها ، أو صدق من يدعي ذلك فقد جعل لله شريكًا فيما هو من خصائصه . والكهانة لا تخلو من الشرك ؛ لأنها تَقَرُّبٌ إلى الشياطين بما يحبون ؛ فهي شرك في الربوبية من حيث ادعاء مشاركة الله في علمه ، وشرك في الألوهية من حيث التقرب إلى غير الله بشيء من العبادة .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم) (2) .
ومما يجب التنبيه عليه والتنبه له : أن السحرة والكهان والعرافين يعبثون بعقائد الناس بحيث يظهرون بمظهر الأطباء ، فيأمرون المرضى بالذبح لغير الله ؛ بأن يذبحوا خروفًا صفته كذا وكذا ، أو دجاجة ، أو يكتبون لهم الطلاسم الشركية ، والتعاويذ الشيطانية بصفة حروز يعلقونها في رقابهم ، أو يضعونها في صناديقهم ، أو في بيوتهم .
والبعض الآخر يظهر بمظهر المخبر عن المغيبات ، وأماكن الأشياء المفقودة ؛ بحيث يأتيه الجهال فيسألونه عن الأشياء الضائعة ، فيخبرهم بها أو يحضرها لهم ، بواسطة عملائه من الشياطين . وبعضهم يظهر بمظهر الولي الذي له خوارق وكرامات ، أو بمظهر الفنان ، كدخول النار ولا تؤثر فيه ، وضرب نفسه بالسلاح ، أو وضع نفسه تحت عجلات السيارة ولا تؤثر فيه ، أو غير ذلك من الشعوذات التي هي في حقيقتها سحر من عمل الشيطان ، يجري على أيدي هؤلاء للفتنة . أو هي أمور تخيلية لا حقيقة لها ؛ بل هي حيل خفية يتعاطونها أمام الأنظار ، كعمل سحرة فرعون بالحبال والعصي .
قال شيخ الإسلام في مناظرته للسحرة البطائحية الأحمدية (الرفاعية ) :
قال : " يعني شيخ البطائحية " ورفع صوته : نحن لنا أحوال وكذا وكذا ، وادَّعى الأحوال الخارقة كالنار وغيرها واختصاصهم بها ، وأنهم يستحقون تسليم الحال إليهم لأجلها ) . قال شيخ الإسلام : ( فقلتُ ورفعتُ صوتي وغضبت : أنا أُخاطب كل أحمدي من مشرق الأرض إلى مغربها : أي شيء فعلوه في النار ؟ ! فأنا أصنع مثل ما يصنعون ، ومن احترق فهو مغلوب ، وربما قلت : فعليه لعنة الله ، ولكن بعد أن نغسل جسومنا بالخل والماء الحار ، فسألني الأمراء والناس عن ذلك ؛ فقلت : لأن لهم حيلًا في الاتصال بالنار ، يصنعونها من أشياء من دهن الضفادع ، وقشر النارنج ، وحجر الطلق ، فضج الناس بذلك ؛ فأخذ يظهر القدرة على ذلك ، فقال : أنا وأنت نُلَفُّ في بارية بعد أن نطلي جسومنا بالكبريت . فقلت : فقُم ، وأخذت أكرر عليه في القيام إلى ذلك ، فمدَّ يده يظهر خلع القميص ، فقُلتُ : لا ، حتى تغتسل بالماء الحار والخل ؛ فأظهر الوهم على عادتهم ، فقال : من كان يحبُّ الأمير فليحضر خشبًا - أو قال : حزمة حطب - فقلتُ : هذا تطويلٌ وتفريقٌ للجمع ولا يَحصلُ به مقصود ؛ بل قنديل يوقد وأُدخل أصبعي وأصبعك فيه بعد الغسل ، ومن احترقت أصبعه فعليه لعنة الله ، أو قلت : فهو مغلوب ، فلمَّا قلتُ ذلك تغير وذل ) انتهى(3)
والمقصود منه بيان أن هؤلاء الدجالين يكذبون على الناس بمثل هذه الحيل الخفية ، كجرهم السيارة بشعرة ، وإلقائه نفسه تحت عجلاتها ، وإدخال أسياخ الحديد في عينه ، إلى غير ذلك من الشعوذات الشيطانية .
الحواشي:
(1)رواه البخاري ومسلم .
(2)رواه أبوداود.
(3)مجموع الفتاوى(ج1/446-465)
المصدر: كتاب التوحيد للشيخ العلامة /صالح الفوزان.ص (30,29,28)