بسم الله الرحمن الرحيم
إن من العبادات التي هجرها الكثيرون في هذا الزمان عبادة التفكر في آيات الله تعالى الكونية التي دعا إليها القرآن الكريم والسنة النبوية والسلف الصالح .
وهذا الهجر سبّب خللا في الوعي الإسلامي، إذ أصبحنا نهتم بأمور هي دون عبادة التفكر في الاعتبار الشرعي والفائدة المرجوة ، وهي من أولى العبادات الموصلة إلى الارتقاء بالمستوى الإيماني للمسلم المعاصر .
هل التفكر عبادة ؟
والجواب بلا شك : نعم . وتعليل ذلك من وجوه:
التعليل الأول : لأن الله تعالى مدح المتفكرين في كتابه بقوله { إِنّ فِي خَلْقِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ الْلّيْلِ وَالنّهَارِ لاَيَاتٍ لاُوْلِي الألْبَابِ ,الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكّرُونَ فِي خَلْقِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النّارِ}[آل عمران:190، 191].
وختم الله تعالى ثلاث عشرة آية من كتابة بلفظ {تتفكرون} أو{يتفكرون} مما يصور أهمية الأمر .
وقال سبحانه: {أَوَلَمْ يَتَفَكّرُواْ}[الأعراف 184] وفال عز وجل:{وَفِيَ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} [سورة الذاريات 21] والبصر هنا بمعنى التفكر .
وقال سبحانه {قُلْ إِنّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلّهِ مَثْنَىَ وَفُرَادَىَ ثُمّ تَتَفَكّرُواْ }[سورة سبأ 46] فأمرهم بالقيام من أجل التهيؤ للتفكر، فالتفكر هو الموعظة المقصودة هنا بالرغم من وجود مواعظ أخرى.
والتعليل الثاني : لأن الله ذكر في أكثر من 250 آية من القرآن الكريم صورا مختلفة للكون الذي يحيط بنا في سماواته وأرضه وفي جباله وبحاره وأنهاره وفي مخلوقاته من الجن والإنس والطير والدواب وفي هوائه وسحابه وأمطاره وفي أحداثه وتغيراته وفي حاضره وماضيه وفي مشاعره وتسبيحاته . أترى هذا الكم الكبير من الآيات – التي تفوق الآيات المتحدثة عن الأحكام الفقهية – ذكرت عرضا أو للقراءة المجردة فحسب؟!
والتعليل الثالث : إن الله تعالى ذم معطلي العقول والأفكار، وشن عليهم حملة في آيات عدة من كتابه العزيز؛فقال سبحانه : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا } ( لقمان 21 ) ، وقال عز وجل : {وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مّن نّذِيرٍ إِلاّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىَ أُمّةٍ وَإِنّا عَلَىَ آثَارِهِم مّقْتَدُونَ , قُلْ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىَ مِمّا وَجَدتّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ قَالُوَاْ إِنّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ , فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذّبِينَ}[الزخرف 23 - 25].
فجعل تعطيل العقل – التقليد الأعمى – سببا للتكذيب والكفر ثم سوء العاقبة.
والتعليل الرابع : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يتفكر في آيات الله عز وجل ، فيقلب وجهه في السماء، وقد قال مرة لأصحابه:"إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته" [البخاري ومسلم] . وكان يأمر أصحابه بالتـفكر فيقول:" تـفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله" أخرجه أبو الشيخ في العظمة 1/210 والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عمر وحسنه السخاوي , وله طرق أخرى . وكان أصحابه رضي الله عنهم كذلك ، قيل لأم الدرداء : ما كان افضل عمل أبي الدرداء؟ قالت التفكر.
وكان التابعون كذلك . قال بن القيم رحمه الله: قال بعض السلف : تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة [البخاري ومسلم].
وقال الحسن : إن من أفضل العمل الورع والتفكير.
وقال مولى سعيد بن المسيب : ما رأيت احسن مما يصنع هؤلاء، قال : وما يصنعون؟، قال : يصلي أحدهم الظهر ثم لا يزال صافا رجليه حتى يصلي العصر، قال : ويحك! أما والله ما هي العبادة ؛ إنما العبادة التفكر في أمر الله ، والكف عن محارم الله . أخرجه أبو الشيخ في العظمة 1/210 والطبراني، والبيهقي في الشعب عن ابن عمر وحسنه السخاوي، وله طرق أخرى.
فوائد التفكر :
للتفكر الشرعي الذي أمر الله به فوائد عدة ، فمن فوائده :
1) يجدد الإيمان ويزيده : قال ابن القيم رحمه الله: التفكر يكشف حقائق الأمور ويميز مراتبها في الخير والشر ومعرفة المفضول من الفاضل ، والتفكر يزيد الإيمان أكثر مما يزيده العمل.
2) التفكر من أعمال القلب ، وأعمال القلب أفضل من أعمال الجوارح باتفاق العلماء.
3) يبعث على التواضع أمام عظمة الله تبارك وتعالى ، ويبعث على حسن الظن بالله عز وجل.
4) يؤدي إلى العمل بآيات كثيرة من كتاب الله تعالي والعمل بسبة النبي صلى الله عليه وسلم.
5) يفتح آفاق العلم والإيمان مما لم يكن معلوما قبل ذلك ؛ لأن الفكرة تجر الفكرة.
ضوابط التفكر :
ينبغي ألا يصل التفكر إلى حد الخروج عما لم يحط الإنسان بعلمه ، أو الخروج عما ينبني تحته عمل ، أو تصور أمور لا يمكن تصورها لأنها لا تخضع لمقاييسنا كالقبر وما فيه والآخرة ما فيها والملأ الأعلى وما يخصه ، فان ذلك قد يؤدي إلى الوسوسة والشك ، وهذا ما حذر النبي صلى الله عليه و سلم منه في قوله : " تـفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله".
وقال عليه السلام:" إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول : من خلق السموات؟ فيقول : الله ، فيقول: من خلق الأرض ؟ فيقول : ال له، فيقول : من خلق ال له؟ فإذا أحس أحدكم من ذلك شيئا فليقل : آمنت بالله ورسوله" [أخرجه أبو الشيخ في العظمة 1/303 والإمام احمد في الزهد بسند صحيح].
وإذا كنا في حياتنا لا نفهم أشياء كثيرة نعايشها كالروح ، والحواس وحدودها ، والعقل وماهيته ، والمشاعر والنفسيات، وكثيرا مما يحتويه الجسم من وظائف وأعضاء دقيقة ، وبعض مراحل التخلق الجنيني ، والرسالة النبوية وطبيعتها ، والتخاطب عن بعد ، والأقدار الإلهية ، والرؤيا والأحلام .. وغيرها، فان هذا مما يمنعنا من التطاول فوق حدود المعقول ، وقد احسن من قال:
قل لمن يفهم عني ما أقول قصرِّ القول فذا شرح يطول
ثَمَّ سر غامض من دونه قصرت والله أعناق الفحول
أين منك الروح في جوهرها هل تراها أم ترى كيف تجول
وكذا الأنفاس هل تحصرها؟ لا ولا تدري متى عنك تزول؟
أين منك العقل والفهم إذا غلب النوم فقل لي يا جهول
أنت أكل الخبز لا تعرفه كيف يجري منك أم كيف يجول
فإذا كانت طواياك التي بين جنبيك كذا فيها ضلول
كيف تدري من على العرش استوى لا تقل كيف استوى كيف النزول
كيف يحكي الرب أم كيف يرى؟ فلعمري ليس ذا إلا الفضول
جل ذاتا وصفاتا وسما وتعالى قدره عما تقول
رواه أبو هريرة مرفوعا ، انظر العظمة1/300
إن لكل غاية وسائل ، إذا تعاطاها الإنسان وصل إلى تلك الغاية التي يريدها ، ومن جملة ذرائع التفكر ما يأتي :
1) الممارسة والتعود ، ولا ينبغي أن يكون كر الأيام وتتابع الأحداث المتشابهة عائقا لنا عن التفكر ، فان في خلق الله عز وجل من العجائب ما لو وقف عليه المرء لأدرك عظمة خالقه واكتشف قدرته وإبداعه ، إلا أنه يحتاج إلى فكر ثاقب واجتهاد وخشية لله تعالى.
2) مخالطة العلماء الربانيين الذين أدركوا حقيقة التفكر المشروع ، أو الاطلاع على أبحاثهم وكتبهم.
3) التخلص من الذنوب ، والإقلال منها بقدر المستطاع ؛ فان المعصية تحجب الفكرة.
4) الاجتهاد في الطاعة واستحضار الخشوع والبكاء من خشية الله.
5) ترك ما لا ينبغي من الأقوال والأحوال والأعمال.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه،،،
الفكر من وظائف العقل
العقل أسمى ما مُنحه الإنسان ، فإن سئلت عن أسمى ما منحك الله إياه أجبت بأنه العقل . وإذا كان العقل نعمة كبيرة وكبيرة جداً ترى ما هو العقل ؟ ما تعريفه ؟ ما نعني به حين نذكره ؟ ما البعد المعنوي للعقل ؟
العقل هو قدرة مكنك الله عز وجل منها ، قدرة على محاكمة الأمور ، على محاكمة الأشياء وفق بدهيات ركبت عليها، لا أريد أن اقف عند العقل ، لكنني أريد أن انتقل بعد تعريف العقل إلى وظيفته الأولى ، ووظيفته الأولى هي الفكر ، والفكر هو حركة العقل أي حركة القدرة على المحاكمة حينما يتحرك العقل ، والعقل إن شبهناه كالآلة فحينما تشتغل الآلة فشغل الآلة وعملها هو الفكر ويحق لنا أن نتساءل : إذا كان الفكر حركة العقل وعمله ، فما موضوع هذا الفكر؟ لكننا نسأل ما الذي يشغل هذه الآلة ؟ ما موضوع إنتاج الآلة ؟ ما المادة والموضوع الذي تشتغل عليه الآلة والذي تنتجه الآلة ؟ وهنا أيضا نقول بالنسبة للفكر : إذا كان الفكر عمل العقل وحركة العقل فما موضوع الفكر ؟
إن لم تعمل الفكر فقد حرقته كما تحرق الآلة إذا أعملتها من غير مادة تقدمها لها ، إذا لم تعمله فقد أحرقته وإذا كان موضوع الفكر أمر سلبي فقد دمرت نفسك ، إذا كانت الآلة تعمل بفراغ أحرقتها وإذا كانت تعمل بمواد ضارة فسوف تدمر البلد بإنتاج ضار . وكذلك الفكر إن عمل من غير موضوع احترق وإن عمل بموضوع سلبي دّمر ودُمر إذاً : السؤال ما الموضوع الإيجابي للفكر ، لعمل هذه الآلة ، لعمل العقل ، لحركة العقل .
إننا ظالمون إلى حد ما لفكرنا - أي لحركة عقلنا - لأننا كثيراً ما نهمل هذه الحركة لأننا كثيراً ما نترك الآلة تشتغل من غير موضوع ، ولأننا كثيرا ما نترك الآلة بغير عمل ، بمعنى أننا لا نفكر ، وكلنا يعلم أن فلاسفة معتبرين قالوا : " أنا أفكر إذا أنا موجود " ، فإذا كنت لا تفكر ولا تُعمل العقل فعقلك هامد ، هذه القدرة جامدة فأنت غير موجود .
إن الفكر في آيات الله يولد المعرفة . سُئل سيدنا الإمام علي كرم الله وجهه : كيف عرفت ربك ؟ ومعرفة الرب معرفة أعلى في سلم المعارف ، معرفة الرب معرفة الله هي المفردة الأهم من بين مفردات المعرفة كيف عرفت ربك؟ قال : " عرفت ربي بربي " . أي من خلال آيات ربي لأن ربي هو الذي وضع الآيات ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون وفي الأرض آيات للموقنين ) والإيقان درجة أعلى من المعرفة ، معرفة معمقة " عرفت ربي بربي وعرفت مراد ربي بمحمد صلى الله عليه وسلم "
ثانياً : الفكر في آلاء الله ونعمه يولد المحبة . إذا فكرت في نعم الله فسوف تتولد المحبة في قلبك لله ، والمحبة لله عاطفة نبيلة ، وإذا لم تحب الله فمهما أحببت ما دونه لا قيمة لهذه العاطفة ، الفكر في نعم الله يولد المحبة يقول عليه الصلاة والسلام كما يروي الترمذي أيضا : " أحبوا الله لما يغدو كم من نعمه و أحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي " ( ألم تروا إن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ) والقلوب جُبلت على حب من أحسن إليها ، فالتفكر في آلاء الله يولد المحبة ( فبأي آلاء ربكما تكذبان )، والله انعم عليكم بالقرآن ( الرحمن علم القرآن ) أكبر نعمة تفكر في النعمة وفكر في النعمة لتتولد المحبة . ربنا عز وجل قال لنبيه وتولدت نتيجة النعم التي فكر نبيه صلى الله عليه وسلم بها تولدت في نفسه محبة الله ، وأعظم بها من محبة ( ألم يجدك يتيماً فآوى ) ، أنعم الله عليك ( ووجدك ضالاً فهدى ووجدك عائلاً فأغنى ) . أنت أيها الإنسان فكر في نعم الله عليك من أجل أن تتولد المحبة , من أنعم عليك بالبصر من أنعم عليك بالسمع من أنعم عليك بالوجود من أنعم عليك بالفكر من أنعم عليك بالعقل من أنعم عليك بالإسلام من أنعم عليك بالأيمان بالله ؟ إذا فكرت في هذا وكما قلت حسب القاعدة الإنسانية : جُبلت القلوب على حب من أحسن إليها . فستحب الله فهل أنت تحب الله ؟ إذا كان الجواب نعم إذاً تابع طريق المحبة فطريق المحبة لا ينتهي في سموه وفي رفعته وفي مجده .
ثالثاً : الفكر في وعيد الله يولد الخوف من التقصير . إذا فكرت في وعيد الله ربنا سبحانه وهو الذي قال : ( فأنذرتكم ناراً تلظى ) قرأها عمر بن عبد العزيز فما استطاع مغادرتها وراح يرددها من المساء حتى الصباح ( لا يصلاها إلا الأشقى . الذي كذب وتولى . وسيجنبها الأتقى . الذي يؤتي ماله يتزكى . وما لأحد عنده من نعمة تجزى . إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ) فكر في وعيد الله من أجل أن تتلافى التقصير من أجل أن تخاف التقصير . الله عز وجل قال في آيات كثيرة وتحدث عن العذاب ، تحدث عن الوعيد من أجل ماذا ؟ هل من أجل أن تمر عليها من دون ولادة شيء فيك ؟ لا يا أخي ( فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة ) من توعدك في الدنيا خِفت من التقصير في حقه ، الله يتوعد المقصرين ( يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم) الفكر في وعيد الله يولد الخوف من التقصير .
رابعاً : الفكر في وعد الله يولد الطاعة والانقياد لله . إن فكرت في وعد الله وقد قال ( إن للمتقين مفازاً . حدائق وأعناباً ) هذه حقيقة حينما يعدك إنسان ما بخير تسعى من أجل أن تكون ممتثلاً أوامره . الله يقول لك ( وجوه يومئذ ناعمة . لسعيها راضية . في جنة عالية. لا تسمع فيها لاغية . فيها عين جارية . فيها سرر مرفوعة . وأكواب موضوعة ) هي حقيقة ، ومن فكر في وعد الله تولدت فيه حب الطاعة لله ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً ) هل غدت الجنة - أيها الاخوة - الموعود بها أمراً وهمياً أم إنها حقيقة ؟ ولربما يا أخي لو وعدت به من قبل إنسان - وآمل أن تستوعب عبارتي - ربما ما وعدت به من قبل إنسان في الدنيا يتأخر عن الجنة بمعنى أنك ربما مت قبل أن يتحقق وعد الإنسان . فالجنة بين ناظريك وهي أقرب إليك من كل وعد ، والنار بين ناظريك وهي أقرب إليك من كل وعيد .
خامساً : الفكر في حال المسلمين اليوم يولد الألم . وهو المطلوب منك روى النسائي والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " من أصبح لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم " هل تفكر في أمر المسلمين وحالهم ؟ النتيجة ستقول لي إذا فكرت في حال المسلمين فما الذي سيتولد فيَّ ؟ الفكر في حال المسلمين يولد فيك ألما ، والألم حينما تشعر به لا بد من أن تلجأ إلى طبيب ليعالجك ، ونحن نريد أن نتألم بل نريد أن نشعر بالألم ولولا شعورك بالألم لما ذهبت إلى الطبيب ولما تناولت الدواء ولما ذهبت إلى من يعالجك . الفكر في حال المسلمين يولد ألماً إيجابياً يدفعك من أجل أن تدفع العلاج ، ومن أجل أن تطلب الدواء . الفكر في حال المسلمين يولد دمعة تعبر عن ألم ، ويولد لساناً يضطرب من الألم ويتلجلج من الألم .
أيها الاخوة : الفرقة ضاربة أطنابها ، العداوة والبغضاء والابتعاد عن الدين ، الخوف من الجهاد ، التعامل مع الأعداء، موالاة أعداء الله ، الابتعاد عن المؤمنين الصادقين ، الالتفات إلى الدنيا ، كراهية الموت ومحبة الدنيا على حساب الآخرة ، عدم تربية الوالد أولاده ... وقس على ذلك حال ينبغي أن تفكر فيها ليتولد الألم . وقد قلت سابقاً على هذا المنبر أن مشكلتنا كما قال بعضهم حينما سأله السلطان ما مشاكل المسلمين أجابه قال : مالي ولهذا الأمر ؟ فقال السلطان أقول لك ما مشاكل المسلمين اليوم تقول لي مالي ولهذا الأمر ؟ ! فقال له هذا الرجل : إن مشاكل المسلمين أن كل واحد منهم يقول مالي ولهذا الأمر - يُطَنِّش كما نقول في تعبيرنا العامي - ولا يهتم وليكن الطوفان وليكن ما يكن ، المهم أنه يريد أن يحقق رغبات جسده ومنافع جسمه ويريد أن يعيش حول محور مصالحه القريبة الخاصة بل ربما حول أوهام مصالحه الخاصة . الفكر في حال المسلمين يولد ألماً . فكر يا أخي فيما يحدث في فلسطين فكر في مستقبل العالم الإسلامي . الإسرائيليون يفكرون في مستقبلهم وأما نحن فماذا أعددنا ؟ ما الذي سجلناه ؟
من بين الأحاديث التي تحث علي التفكر أن بلالاً دخل علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يبكي فقال يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال ويحك يا بلال وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل الله تعالي عليّ في هذه الليلة إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ثم قال ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها
والحمدلله رب العالمين
مع تحيات محبكم مسافر